تقع البحرين على الساحل الجنوبي الغربي للخليج العربي، وهي أرخبيل يضم 30 جزيرة أكبرها البحرين. وتقع المملكة في واحدة من أهم مناطق انتاج النفط في العالم. ومع امتلاكها احتياطيات صغيرة فقط من الهيدروكربونات، لطالما اعتمد اقتصاد المملكة على تكرير النفط الخام من الدول المجاورة.
شهدت مملكة البحرين في الآونة الأخيرة نمو قطاعات اقتصادية أخرى مثل الخدمات المالية، والاتصالات، والسياحة. وتتربع عاصمة البلاد وميناؤها - المنامة على الطرف الشمالي الشرقي لجزيرة البحرين. ومع عدم امتلاكها احتياطيات كبيرة من الهيدروكربونات أسوةً بجيرانها، سعت المملكة طويلاً إلى توفير الخدمات الاجتماعية وفرص العمل لمواطنيها، ولا سيما في بدايات القرن الحادي والعشرين مع تنامي نسبة الشباب فيها.
ومع ازدياد عدد الشباب في المملكة، قدّرت وزارة الإسكان البحرينية عدد الأشخاص الذين ينتظرون مشاريع الإسكان الحكومية في تلك الفترة بنحو 46 ألف مواطن. وشرعت الحكومة حينها بالبحث عن أماكن جديدة لتوفير المساكن بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. وحتى انفجار طفرة العقارات البحرينية في عام 2008، كانت شركات التطوير الخاصة تركز بشكل أساسي على العقارات الفاخرة.
ولدعم جهود الحكومة البحرينية في تطوير قطاع الإسكان، قدم "صندوق أبوظبي للتنمية" ما مجموعه 2,6 مليار درهم إماراتي لدعم تطوير المدينة الشمالية. وكانت جهود الصندوق لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البحرين قد بدأت عام 1974، حيث حرص منذ ذلك الوقت على مساندة الحكومة البحرينية في تنفيذ خططها التنموية وتمويل مشاريع استراتيجية تقع ضمن أولوياتها الوطنية، وبلغ حجم الدعم المقدم للبحرين نحو 10,6 مليار درهم إماراتي. مول الصندوق 26 مشروعاً تنموياً في البحرين وشملت تلك المشاريع العديد من القطاعات كالكهرباء والمياه، والخدمات الاجتماعية والصحية، والإسكان، والصناعة، والنقل. وكان من بين هذه المشاريع تطوير المدينة الشمالية التي ساهمت إلى حد كبير بحل أزمة نقص المساكن في المملكة. وقد تم تخطيط مدينة سلمان (التي كانت تعرف سابقاً باسم المدينة الشمالية) في عام 2003، وهي عبارة عن مجمّع سكني موزّع على 10 جزر في الساحل الشمالي للمملكة.
التأسيس
تم تطوير مشروع الوحدات السكنية والبنية التحتية في المدينة الشمالية كجزء من منحة قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة إلى البحرين بقيمة 9,2 مليار درهم (2,5 مليار دولار)، ويديرها صندوق أبوظبي للتنمية في إطار برنامج تنمية دول مجلس التعاون الخليجي. وعادت المشاريع التي موّلها الصندوق في المملكة بفوائد كبيرة على المجتمع البحريني. ويعتبر مشروع المدينة الشمالية واحداً من أهم وأكبر المشاريع السكنية الاستراتيجية التي تنفذها وزارة الإسكان من ناحية المساحة وعدد الوحدات السكنية التي يوفرها المشروع. تم تطوير المدينة الشمالية بعد دفن ما يقارب 37,5 مليون متر مكعب من الرمال في الجزء الضحل من مملكة البحرين. ولم يقتصر نطاق هذا المشروع على الوحدات السكنية فحسب، بل تضمن أيضاً تشييد الطرق، وجسوراً للمشاة، بالإضافة إلى البنية التحتية لخدمات الصرف الصحي. وانطلقت الأعمال الإنشائية في عام 2016 بعد صرف الدفعة الأولى من المنحة الإجمالية بقيمة 374 مليون درهم (101 مليون دولار) وذلك للبدء بتحضيرات استصلاح الأراضي. وكان من المفترض أن يتبع ذلك سريعاً انطلاق المرحلة الثانية التي تشمل بناء 2694 وحدة سكنية. وقال معالي المهندس باسم بن يعقوب الحمر، وزير الإسكان البحريني: "نثمّن هذا الدعم السخي من دولة الإمارات لمساعدتنا على التخفيف من أزمة السكن في البحرين، ويشكّل مشروع المدينة الشمالية جزءاً من خطة شاملة لبناء 40 ألف وحدة سكنية جديدة. وبحلول ديسمبر 2018، كان قد تم تسليم ما مجموعه 3,041 وحدة سكنية اجتماعية، و367 شقة عالية الجودة. وبحسب بيانات وزارة الإسكان، فقد تم بناء حوالي 1,421 فيلا مع تشغيل نحو 30,000 شخص شهرياً خلال الفترة من يوليو 2012 إلى يوليو 2017. وتبذل الحكومة البحرينية جهوداً كبيره لتلبية الطلب المتزايد على الوحدات السكنية والناجم عن ارتفاع السنوي في أعداد السكان.
وكان التحدي الأبرز الذي يستدعي الانتباه بخصوص قطاع الإسكان الاجتماعي في البحرين هو التنامي المتزايد لقوائم انتظار المتقدمين على خدمات الإسكان؛ حيث ازداد الطلب على الوحدات السكنية خلال السنوات السبع عشرة الماضية (2000 -2017) من 754 إلى 3,740 وحدة سكنية بمعدل نمو سنوي تراكمي يقدر بـ 10%. وقد أدى هذا الارتفاع في الطلب إلى زيادة فترات انتظار المكتتبين، حيث كان متوسط زمن الانتظار المتوقع للمساكن الاجتماعية في البحرين بين عامي 2000 - 2017 بحدود 12 عاماً. وازداد هذا السيناريو تعقيداً مع انخفاض أسعار النفط والسلع العالمية خلال الفترة بين عامي 2014 – 2018، حيث أثر ذلك سلباً على العائدات الوطنية التي كان يتم استخدام جزء منها لتمويل مشاريع الإسكان الاجتماعي. ومع أخذ هذه التحديات بعين الاعتبار، تتخذ السلطات البحرينية المعنية خطوات جدية لمعالجة هذه القضية. وتتضمن قائمة الحلول مراعاة دخل الأسرة لتحديد أهليتها في الحصول على خدمات الإسكان، والترويج للشقق الحديثة. علاوةً على ذلك، سيتم أيضاً إعادة النظر في مساحات المنازل في ضوء تراجع عدد أفراد الأسرة بمرور الوقت، وبما يتماشى مع الدخل الإجمالي للأسرة. بالنهاية، ينبغي التفكير في نهج أفضل يجمع بشكل متناسب بين استخدام الأراضي، والتمويل، والإجراءات الإدارية والتنظيمية. ولمشروع المدينة الشمالية أهمية وطنية كبيرة كونه يساهم في تحسين المنطقة الجغرافية لمملكة البحرين. كما يحقق المشروع فوائد اجتماعية واقتصادية مهمة حسب ما تنص عليه أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حيث يساهم في تحفيز الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية (الهدف 9)، وتطوير مدن ومجتمعات محلية مستدامة (الهدف 11). وتبلغ التكلفة التقريبية الإجمالية للمشروع حوالي المليار دينار بحريني؛ وعلى افتراض أن مضاعف الاقتصاد الكلي يبلغ 1,12، حينها تُقدر القيمة المستقبلية للمشروع بنحو 1,12 مليار دينار بحريني. "’مدينة سلمان‘ هي أكبر مشروع متكامل للإسكان الاجتماعي تنفذه وزارة الإسكان، عدا عن كونه الأكثر تقدماً في مراحل الإنجاز أيضاً، حيث تسير الأعمال الإنشائية فيه على قدم وساق. وتمتد المدينة بمساحة 740 هكتاراً على الساحل الشمالي الخلاب للمملكة، وستوفر عند اكتمالها 15,519 شقة ووحدة سكنية، وستشكّل مجتمعاً آمناً ومتكاملاً لما يقارب 100 ألف نسمة. وإذ تعكس المدينة التزام الوزارة بأعلى معايير جودة الإسكان، فإنها ستوفر مجموعة واسعة من المرافق رفيعة المستوى بما في ذلك المدارس، والمساجد، ومراكز الرعاية الصحية، والمكتبات، بالإضافة إلى مدينة رياضية وغيرها"